تاريخمنوع

الحرف اليدوية التقليدية السورية : تراث وعراقة

كانت سوريا  ولازالت خزاناً حياً للكثير من الحرف اليدوية التقليدية التي تجسد روح شعبها ومهارته الفنية.

لنكتشف سحر الحرف اليدوية التقليدية في سوريا: من البروكار الدمشقي والنحاسيات إلى الصابون الحلبي والخشب المطعم.

إن هذه الحرف ليست مجرد منتجات، بل هي قصص تُروى ومهارات تتوارثها الأجيال تعكس التنوع الثقافي والحضاري الذي مرت به البلاد عبر العصور.

تعرف على تاريخ هذه الصناعات، قيمتها الثقافية، وكيف تصمد أمام التحديات.

تاريخ الحرف اليدوية السورية

إن الحرف اليدوية التقليدية في سوريا امتداد لتاريخ طويل من الفنون والصناعات التي ازدهرت على أرضها منذ آلاف السنين.

وقد تأثرت هذه الحرف بالحضارات المتعاقبة (الرومانية، البيزنطية، الإسلامية، العثمانية).

كما استفادت من موقع سوريا على طريق الحرير، الذي جلب إليها التقنيات والمواد الخام والأفكار من الشرق والغرب.

وتمثل المدن السورية (دمشق وحلب وحمص وحماة) مركزاً لهذه الصناعات بعراقتها وتاريخها الحافل.

إذ يعمل أبناؤها على الحفاظ على هذه المهارات وتوريثها على مر الأجيال.

أبرز أنواع الحرف اليدوية التقليدية في سوريا

تتنوع الحرف اليدوية التقليدية السورية بشكل كبير، وكل منها يحمل بصمة فريدة:

  • النسيج والمنسوجات (البروكار والأغباني)
  •    البروكار الدمشقي: الذي يُعد من أفخر أنواع الأقمشة في العالم، ويُنسج يدوياً من خيوط الحرير الطبيعي.
الحرف اليدوية التقليدية السورية البروكار الدمشقي
الحرف اليدوية التقليدية السورية البروكار الدمشقي

وغالباً ما يُطعم بخيوط الذهب والفضة، ويتميز بنقوشه المعقدة المستوحاة من الطبيعة والتراث الإسلامي.

وقد كان يُستخدم في صناعة الألبسة الملكية والستائر الفاخرة.

  •   أما  الأغباني فهو عبارة عن فن التطريز على الحرير أو القطن.

ويتميز بنقوشه النباتية والهندسية الدقيقة، ويُستخدم في مفارش الطاولات، الستائر، والألبسة التقليدية.

  •     وتعد الكوفية/الحطة رمزاً ثقافياً عربياً تُنسج بأنماط وألوان مختلفة، وتُستخدم كغطاء للرأس.
  • الأعمال الخشبية (الموزاييك والعجمي):
  •     الموزاييك الخشبي (الفسيفساء الخشبية) و هو فن تطعيم الخشب بقطع صغيرة من الأصداف البحرية،العظم، أو الأخشاب الملونة.

ويُستخدم في صناعة الأثاث (صناديق، طاولات، كراسي)، علب المجوهرات، واللوحات الجدارية.

  •     أما العجمي: فهو فن تزيين الخشب بالنقوش البارزة والملونة، وغالباً ما يُطلى بالذهب أو الفضة.

ويُستخدم في تزيين الجدران والأسقف في البيوت الدمشقية القديمة.

  • المعادن (النحاسيات والفضيات)

إن النحاسيات الدمشقية:فن طرق وتشكيل النحاس والنقش عليه.

وهي الطريقة المستخدمة في إنتاج أواني الطهي، صواني التقديم، فوانيس الإضاءة، أباريق القهوة، والتحف الفنية.

  • الزجاجيات

فالزجاج المنفوخ صناعة يدوية قديمة، تُنتج منها الأواني الزجاجية الملونة، الفوانيس، والتحف الفنية.

أما الزجاج المعشق فهو فن تجميع قطع الزجاج الملونة بأطر معدنية (غالباً الرصاص).

الحرف اليدوية التقليدية السورية الزجاج المعشق
الحرف اليدوية التقليدية السورية الزجاج المعشق

ويستخدم لتشكيل لوحات فنية تُستخدم في النوافذ والأبواب.

  • الصابون:

الصابون الحلبي: من أقدم أنواع الصابون في العالم.

الحرف اليدوية التقليدية السورية صابون الغار الحلبي
الحرف اليدوية التقليدية السورية صابون الغار الحلبي

وهو يصنع يدوياً من زيت الزيتون وزيت الغار، ويُعرف بخصائصه الطبيعية المفيدة للبشرة والشعر.

 

  • الخزف والفخار: صناعة الأواني الفخارية والخزفية المزخرفة، التي تُستخدم في الحياة اليومية أو كقطع فنية.
  • الخط العربي: على الرغم من أنه فن أكثر منه حرفة يدوية بالمعنى المادي، إلا أنه يُطبق على العديد من المنتجات اليدوية (الخشب، النحاس، القماش)، ويُعد جزءاً لا يتجزأ من التراث الفني السوري.

 القيمة الثقافية والاقتصادية للحرف اليدوية التقليدية

تمتلك الحرف اليدوية التقليدية قيمة كبيرة، تأتي من عراقتها وتاريخها ومميزاتها المختلفة.

وتتجلى هذه القيمة في :

  1. حفظ الهوية والتراث حيث تُعد هذه الحرف ذاكرة حية للأجيال، تربطهم بماضيهم وتراثهم الغني.
  2. إضافةً إلى التعبير الفني إذ تُظهر مهارة وإبداع الحرفيين السوريين، وقدرتهم على تحويل المواد الخام إلى تحف فنية.
  3. وهي مصدر رزق: حيث توفر فرص عمل للآلاف من الحرفيين وعائلاتهم.
  4. كما أنها جذب سياحي:  فالسياح الذين يبحثون عن الهدايا التذكارية الأصيلة والفريدة.

التحديات التي تواجه الحرف اليدوية السوري

 

لنتعرف على أبرز التحديات التي تعترض طريق الحرف اليدوية التقليدية، وكيف تؤثر هذه العوائق على مستقبل هذا التراث الثمين.

  • التحديات الاقتصادية الخانقة:

إن الأوضاع الاقتصادية المتردية هي التحدي الأكبر والأكثر إلحاحاً الذي يواجه الحرفيين السوريين نتيجة:

  1.    ارتفاع تكاليف المواد الخام
  2.    وتدهور القوة الشرائية: مع تراجع الدخل وارتفاع معدلات التضخم.
  3.  وصعوبة التصدير والعقوبات: فالقيود المفروضة على التجارة الدولية والعقوبات الاقتصادية تحد بشكل كبير من عمل الحرفيين.
  4.   ونقص التمويل والدعم. 
  • تأثير النزاع والاضطرابات الأمنية

خلفت سنوات النزاع آثاراً مدمرة على قطاع الحرف اليدوية:

  1.    تدمير الورش والمحلات. 
  2.   و نزوح وهجرة الحرفيين. 
  3.    وصعوبة التنقل والنقل.
  • تحديات نقل المعرفة ونقص الأيدي العاملة. 

إن الحرف اليدوية مهارات تتطلب سنوات من التدريب والممارسة، وهذا يواجه تحديات كبيرة:

  1.    عزوف الشباب.
  2. و غياب نظام التلمذة الصناعي.
  3. و شيخوخة الحرفيين.
  •  المنافسة من المنتجات الصناعية والمقلدة:
  1.    المنتجات الرخيصة: تغزو الأسواق منتجات صناعية مقلدة للحرف اليدوية،  مما يقلل من الطلب على المنتجات اليدوية الأصيلة التي تتطلب وقتاً وجهداً أكبر.
  2.  و غياب الحماية الفكرية: وذلك نتيجة ضعف القوانين أو تطبيقها في حماية التصاميم والتقنيات التقليدية من التقليد التجاري.
  •  بالإضافة إلى تحديات التسويق والترويج. 
  1.    ضعف التسويق الرقمي: يفتقر العديد من الحرفيين إلى المهارات أو الموارد اللازمة للتسويق لمنتجاتهم عبر الإنترنت.
  2.  و تراجع السياحة: كانت السياحة مصدراً رئيسياً للطلب على الحرف اليدوية، ومع تراجعها، فقد الحرفيون سوقاً مهماً لمنتجاتهم.
  3.    وغياب المعارض المتخصصة: قلة المعارض والفعاليات التي تروج للحرف اليدوية وتجمع الحرفيين بالجمهور والمشترين المحتملين.
  • نقص الابتكار والتكيف

قد يواجه بعض الحرفيين صعوبة في تكييف منتجاتهم لتناسب الأذواق الحديثة.

أو دمج التقنيات الجديدة التي يمكن أن تحسن الإنتاجية دون المساس بالأصالة.

الخاتمة

ستبقى هذه الحرف اليدوية التقليدية رمزاً حاضراً، ودليلاً على عظمة الفن السوري والتراث التاريخي الذي شهدته المنطقة على مر الحضارات والأزمان، ومن الجلي تعريف أبنائنا عليه واطلاعهم على ثقافة أجدادهم وتراثهم وعراقة بلدهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى