
الوضعية المنطقية اتجاه فلسفي ظهر في القرن العشرين يعتمد على التجربة لتحقيق الدقة والبناء المنطقي للمعرفة العلمية،
بهدف تنظيمها داخل نسق وحدة العلم لإزالة الفروق بين فروع العلوم المختلفة،
بدعوى أنه لا يمكن قيام فلسفة علمية أصيلة إلا بوساطة التحليل المنطقي للعلم
ونبذ جميع قضايا الميتافيزيقا واللاهوت بوصفها ثرثرة لفظية فارغة وتضييق نطاق الفلسفة،
وقد أطلق على هذه الفلسفة أسماء عديدة منها: التجريبية العلمية والتجريبية المنطقية.
مفهوم الوضعية المنطقية عند زكي نجيب محمود
ظهر للوضعية المنطقية أصداء مؤيدة في الفكر العربي المعاصر،
وتأثر بها زكي نجيب محمود،
لأن اتجاه الوضعية المنطقية يساير الروح العلمية ولا سيما حاجتنا إلى المنهج التجريبي في مجالي الفكر والعلم.
ووضع عدة ركائز أساسية بنى عليها منهجه الوضعي المنطقي وهي على النحو الآتي:
الوضعية المنطقية والقضايا
ينطلق من أن القضية التي يمكن التحقق منها حتى لو كانت كاذبة هي قضية ذات معنى،
أمـا القضية التي لا يمكننا التحقق منها فهي قضية خالية من المعنى،
وليست بقضية بـل هـي شبه قضية،
وبناء عليه ميز بين نوعين من القضايا،
لكل منهما معيار صدق يختلف عن الآخر:
القضايا التحليلية القبلية
ويتمثل هذا النوع بقضايا العلوم كالمنطق ومعيار الصدق فيها اتساق الفكر مع نفسه أو قانون عدم التناقض.
وهذه القضايا هي تكرار عناصر الموضوع كله أو بعضه،
فلا تضيف علماً جديداً سوى إبراز تلك العناصر،
كقولك كل الأطفال هم أبناء لآباء.
وصدقها متقرر مسبقاً،
ومن ثم يكون لها اليقين لأنها تحصيل حاصل.
القضايا التركيبية البعدية
وهذا النوع من القضايا يتمثل بالعلوم الطبيعية والتجريبية،
وهي بعدية تكتسب بالتجربة،
ومعيار الصدق فيها اتساقها مع الواقع أو العالم الخارجي،
فأيّ عبارة أو قضية لا يمكن التثبت منهـا بالتجربة ليس لها معنى ولذا فهي احتمالية (ظنية)،
وهذه القضايا هي التي تضيف إلى موضوع الحديث علماً جديداً،
كقولك: سرعة الضوء ۱۸۶۰۰۰ ميلا في الثانية تقريباً.
فكلمـة (ضوء) لا تعني فيما تعنيه أن سرعته كذا.
الوضعية المنطقية والتعريف
يعد موضوع التعريف من أهم موضوعات المنطق، له نوعان:
التعريف الشيئي
يهدف إلى تحديد جوهر الشيء المعرف،
ووسيلته تحليل الشيء إلى عنصريه الأساسيين:
جنسه وفصله كأن أقول الإنسان كائن حي ناطق.
ولهذا رفضه زكي نجيب محمود لأن ذلك سيؤدي إلى الغوص في مصطلحات لفظية بلا معنى
ويصبح المجهود الفكري منصباً على شرح الألفاظ ثم شرح هذه الشروح وهكذا…..
التعريف الاسمي
وهو الذي يراد به تحديد معنى الاسم الذي نسمي به الشيء،
فيكون غرض التعريـف تـحـديـد معنى الكلمة في الاستعمال،
ووسيلته أن تستبدل بالكلمة المراد تعريفها كلمـة لا تحتاج إلـى إيضاح،
اعتمد زكي نجيب محمود على التعريف الاسمي
لأن تحديد طريقة تركيب الأشياء في الواقع هو موضوع العلوم الأخرى
ومن أنواعه التعريف القاموسي (التقنية تعني التكنولوجيا.)
المعرفة وطبيعتها
أصبح معيار التحقق جزءاً من نظرية المعنى
فيكون للجملة معنى حرفـي فـقـط إذا كـانـت تعبّـر عن قضية تحليلية أو قضية ممكنة التحقق تجريبياً،
لذلك رفضت الوضعية المنطقية عند زكي نجيب محمود القضايا الميتافيزيقية،
لأنها خارج القضايا التحليلية والتركيبية
فأي قضيـة خـارج هذين النوعين من القضايا مستحيلة التحقق لخلوها من المعنى.
وهذا ما ينطبق أيضا على قضايا الأخلاق،
فهي قضايا معيارية،
وعباراتها إنشائية خالية من المعنى لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب
كعبارة الصدق خير مع ذلك تقر الوضعية بوجود علم للأخلاق يبحث في الأفعال الإنسانية،
وينتمي إلى العلوم التجريبية، إلى علمي النفس والاجتماع لا الفلسفة،
وعليـه تسعى الوضعية إلى إقصاء علم النفس عن دائرة الفلسفة وضمه إلى باقي العلوم التجريبية