
شكلت الموسيقى والفن التشكيلي في سوريا مرآة تعكس روح الشعب، صموده، وتطلعاته.
إنهما لغتان عالميتان يتجاوزان الحدود، ويحملان في طياتهما عبق الماضي وروح الحاضر.
فقد كانت سوريا ولا تزال منبعاً للإبداع الفني الذي يروي قصص آلاف السنين من التاريخ البشري.
فمن أقدم النوتات الموسيقية المكتشفة في أوغاريت، إلى روعة الفن الإسلامي، وصولاً إلى الحركات التشكيلية والموسيقية الحديثة
جذور الموسيقى والفن التشكيلي في سوريا
يعود تاريخ الفن في سوريا إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث عُثر على نقوش ورسومات في الكهوف.
ومع قيام الحضارات القديمة، ازدهر الفن بشكل لافت:
- أوغاريت (رأس شمرا): وهي من أقدم المدن التي شهدت تطوراً موسيقياً.
حيث اكتُشفت فيها أقدم نوتة موسيقية في العالم (ترنيمة حورية) تعود للألف الثاني قبل الميلاد.

وهذا ما يؤكد عمق الجذور الموسيقية في هذه الأرض.
- إضافةً إلى تدمر وبصرى: شهدتا ازدهاراً في الفن المعماري والنحت والرسم خلال العصور الرومانية والبيزنطية.
فالفسيفساء واللوحات الجدارية تعكس الحياة اليومية والمعتقدات.
- أما في العصر الإسلامي فقد ازدهرت الفنون الإسلامية بشكل كبير، خاصة في دمشق وحلب.
و برز فن الخط العربي كأحد أسمى أشكال الفن التشكيلي.
إلى جانب فنون الزخرفة الهندسية والنباتية (الأرابيسك)، وفن المنمنمات، والعمارة الإسلامية التي تجلت في المساجد والقصور والأسواق.
تطور الموسيقى في سوريا
إن الموسيقى والفن التشكيلي في سوريا جزءلا يتجزأ من تاريخها العريق.
ولا تقل الموسيقى أهمية عن الفن التشكيلي،فهي تتميز بعمقها الروحي وغناها اللحني.
- الموسيقى التقليدية (المقامات والقدود الحلبية):
تعتمد الموسيقى السورية التقليدية بشكل كبير على نظام المقامات الشرقية.
وهو نظام لحني معقد يمنح الموسيقى طابعها المميز.
- القدود الحلبية: والتي تُعد من أبرز أشكال الموسيقى التقليدية، وهي قصائد غنائية دينية ودنيوية.
وقد اشتهرت بها مدينة حلب، وتتميز بجمال ألحانها وعمق كلماتها.
وكان للعديد من الفنانين مثل صباح فخري دور مهم في وصول القدود الحلبية إلى العالمية.

- الموسيقى الصوفية: لها حضور قوي، خاصة في دمشق وحلب.
وتتميز بأناشيدها الروحانية التي تعتمد على الإيقاعات المتصاعدة والإنشاد الجماعي.
تعرف أكثر عن التراث السوري من هناهنا.
الموسيقى الحديثة والمعاصرة
شهد القرن العشرين دخول الآلات الغربية وتأثر الموسيقى السورية بالأنماط العالمية.
وهذا ما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الأغنية السورية.
وقد برزت أسماء لامعة في التلحين والغناء، مثل:
- محمد عبد الوهاب (الذي عاش فترة في سوريا).
- وفريد الأطرش، وأسمهان، ووديع الصافي ، وصباح فخري الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة.
ولكن ظهر في العقود الأخيرة جيل جديد من الفنانين الذين يمزجون بين الأصالة والمعاصرة، ويقدمون أنماطاً موسيقية متنوعة تشمل:
الجاز، الروك، والموسيقى الإلكترونية مع لمسة شرقية.
مثل لينا شماميان وفايا يونان، مما يعكس حيوية المشهد الموسيقي.
الفن التشكيلي السوري: مدارس وتعبيرات عن الواقع
لقد شهد كل من الموسيقى و الفن التشكيلي في سوريا تطوراً ملحوظاً.
فمنذ بداية القرن العشرين تأثر الفن التشكيلي بالمدارس الفنية الأوروبية، لكنه سرعان ما وجد هويته الخاصة.
فقد بدأ فنانون سوريون في دراسة الفن في أوروبا، وعادوا ليؤسسوا الحركة التشكيلية الحديثة، متأثرين بالواقعية والانطباعية.
- أما عن أهم المدارس والحركات الفنية:
- مدرسة دمشق للفنون الجميلة:التي لعبت دوراً محورياً في تخريج أجيال من الفنانين.
- التعبيرية والواقعية الاجتماعية: إذ برز فنانون يعبرون عن الواقع الاجتماعي والسياسي بأسلوب تعبيري قوي، مثل :
فاتح المدرس الذي يُعتبر من رواد الفن السوري الحديث،و تميز بأسلوبه التعبيري العميق الذي يلامس الروح الإنسانية.
ولؤي كيالي الذي ركز على تصوير الإنسان العادي ومعاناته بأسلوب واقعي مؤثر.
- التجريدية والرمزية: حيث اتجه فنانون آخرون نحو التجريد والرمزية، مستلهمين من الخط العربي والتراث الإسلامي، مثل:
مروان قصاب باشي الذي عاش في ألمانيا واشتهر بأسلوبه الفريد في تصوير الوجوه البشرية.
- الفن المعاصر: حيث تنوعت مؤخراً الأساليب والتقنيات لتشمل الفن المفاهيمي، فن الفيديو، والتركيبات الفنية، مع تناول قضايا الهوية، الذاكرة، والصراع.
تأثير الفن على الشباب السوري
وفي ظل الظروف الراهنة، أصبح كل من الموسيقى والفن التشكيلي في سوريا متنفساً ووسيلة تعبير قوية للشباب السوري فهي :
- صوت للمقاومة والأمل: يستخدم الشباب الفن كوسيلة للتعبير عن معاناتهم، آمالهم، وصمودهم، ولتوثيق الواقع الذي يعيشونه.
- كما أنه يساعد على الاندماج والتعبير عن الهوية: لاسيما في المهجر.
- إضافةً إلى ورش العمل والمبادرات: فعلى الرغم من الصعوبات، تظهر مبادرات شبابية وورش عمل فنية للحفاظ على التراث وتطوير المواهب الجديدة.
الخاتمة
إن الموسيقى والفن التشكيلي في سوريا ليسا مجرد أشكال جمالية، بل هما شهادة حية على حضارة عريقة، ومرونة شعب، وقدرة الإنسان على الإبداع حتى في أحلك الظروف. من ألحان المقامات التي تلامس الروح، إلى لوحات تعبر عن أعمق المشاعر، يظل الفن السوري نبضاً حياً، يحمل في طياته قصص الماضي، تحديات الحاضر، وأمل المستقبل، ويؤكد أن الإبداع لا يمكن أن يُقهر.